فصل: فصل في وعيد منكري الرؤية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال أبو داود وسمعت احمد بن حنبل وقيل له في رجل يحدث بحديث عن رجل عن أبي العطوف إن الله لا يرى في الآخرة فقال لعن الله من يحدث بهذا الحديث اليوم ثم قال أخزى الله هذا وقال أبو بكر المرزوي قيل لأبي عبد الله تعرف عن يزيد بن هارون عن أبي العطوف عن أبي الزبير عن جابر إن استقر الجبل فسوف تراني وإن لم يستقر فلا تراني في الدنيا ولا في الآخرة فغضب أبو عبد الله غضبا شديدا حتى تبين في وجهه وكان قاعدا والناس حوله فأخذ نعله وانتعل وقال أخزى الله هذا لا ينبغي أن يكتب ودفع أن يكون يزيد بن هارون رواه أو حدث به وقال هذا جهمي كافر خالف ما قال الله عز وجل: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} وقال: {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} أخزى الله هذا الخبيث قال أبو عبد الله ومن زعم ان الله لا يرى في الآخرة فقد كفر وقال أبو طالب قال أبو عبد الله قول الله عز وجل: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ} {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} فمن قال: إن الله لا يرى فقد كفر وقال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ سمعت ابا عبد الله يقول من لم يؤمن بالرؤية فهو جهمي والجهمي كافر وقال يوسف بن موسى بن محمد القطان قيل لأبي عبد الله أهل الجنة ينظرون إلى ربهم تبارك وتعالى ويكلمونه ويكلمهم قال نعم ينظر إليهم وينظرون إليه ويكلمهم ويكلمونه كيف شاؤوا إذا شاءوا قال حنبل ابن إسحاق سمعت أبا عبد الله يقول القوم يرجعون إلى التعطيل في أقوالهم ينكرون الرؤرية والآثار كلها وما ظننتم على هذا حتى سمعت مقالاتهم قال حنبل وسمعت ابا عبد الله يقول من زعم إن الله لا يرى في الآخرة فهو جهمي فقد كفر ورد على الله وعلى الرسول ومن زعم إن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا فقد كفر ورد على الله قوله قال أبو عبد الله فنحن نؤمن بهذه الأحاديث ونقرها ونمرها كما جاءت.
وقال الأثرم سمعت أبا عبد الله يقول فأما من يقول إن الله لا يرى في الآخرة فهو جهمي قال أبو عبد الله وإنما تكلم من تكلم في رؤية الدنيا وقال إبراهيم بن زياد الصائغ سمعت احمد بن حنبل يقول الرؤية من كذب بها فهو زنديق وقال حنبل سمعت أبا عبد الله يقول أدركنا الناس وما ينكرون من هذه الأحاديث شيئا أحاديث الرؤية وكانوا يحدثون بها على الجملة يمرونها على حالها غير منكرين لذلك ولا مرتابين وقال أبو عبد الله قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} وكلم الله موسى من وراء حجاب فقال رب ارني انظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني فاخبر الله عز وجل أن موسى يراه في الآخرة وقال: {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} ولا يكون حجاب إلا لرؤية اخبر الله سبحانه وتعالى إن من شاء الله ومن أراد أن يراه والكفار لا يرونه قال حنبل وسمعت أبا عبد الله يقول قال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} والأحاديث التي تروى في النظر إلى الله تعالى حديث جابر بن عبد الله وغيره وتنظرون إلى ربكم أحاديث صحاح وقال للذين أحسنوا الحسنى وزيادة النظر إلى وجه الله تعالى قال أبو عبد الله نؤمن بها ونعلم أنها حق أحاديث الرؤية ونؤمن بأن الله يرى نرى ربنا يوم القيامة لا نشك فيه ولا نرتاب قال وسمعت أبا عبد الله يقول ومن زعم أن الله لا يرى في الآخرة فقد كفر بالله وكذب بالقرآن ورد على الله أمره يستتاب فإن تاب وإلا قتل قال حنبل قلت لأبي عبد الله في أحاديث الرؤية فقال هذه صحاح نؤمن بها ونقر بها وكلما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم إسناده جيد أقررنا به قال أبو عبد الله إذا لم نقر بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ودفعناه ورددنا على الله أمره.
قال الله عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}.
قول إسحاق بن راهويه:
ذكر الحاكم وشيخ الإسلام وغيرهما عنه إن عبد الله بن طاهر أمير خراسان سأله فقال يا أبا يعقوب هذه الأحاديث التي يروونها في النزول والرؤية ما هن فقال رواها من روى الطهارة والغسل والصلاة والأحكام وذكر أشياء فان يكونوا في هذه عدولا وإلا فقد ارتفعت الأحكام وبطل الشرع فقال شفاك الله كما شفيتني أو كما قال قول جميع أهل الإيمان قال إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة في كتابه إن المؤمنين لم يختلفوا أن المؤمنين يرون خالقهم يوم المعاد ومن أنكر ذلك فليس بمؤمن عند المؤمنين قول المزني ذكر الطبري في السنة عن إبراهيم عن أبي داود المصري قال كنا عند نعيم بن حماد جلوسا فقال نعيم للمزني ما تقول في القرآن فقال أقول أنه كلام الله فقال غير مخلوق فقال غير مخلوق قال وتقول أن الله يرى يوم القيامة قال نعم فلما افترق الناس قام اليه المزني فقال يا ابا عبد الله شهرتني على رؤوس الناس فقال إن الناس قد أكثروا فيك فأردت أن أبرئك قول جميع أهل اللغة قال أبو عبد الله بن بطة سمعت أبا عمر محمد بن عبد الواحد صاحب اللغة يقول سمعت أبا العباس احمد بن يحيى ثعلبا يقول في قوله تعالى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلام} اجمع أهل اللغة على أن اللقاء هاهنا لا يكون إلا معاينة ونظرا بالأبصار وحسبك بهذا الإسناد صحة واللقاء ثابت بنص القران كما تقدم وبالتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم وكل أحاديث اللقاء صحيحة كحديث أنس في قصة حديث بئر معونة أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا وحديث عبادة وعائشة وأبي هريرة وابن مسعود من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه وحديث أنس أنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله وحديث أبي ذر لو لقيني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لقيتك بقرابها مغفرة وحديث أبي موسى من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة وغير ذلك من أحاديث اللقاء التي اطردت كلها بلفظ واحد.

.فصل في وعيد منكري الرؤية:

قد تقدم قوله تعالى: {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} وقول عبد الله ابن المبارك ما حجب الله عنه أحدا إلا عذبه ثم قرأ قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ} ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون قال بالرؤية وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة قال قالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم هل نرى ربنا يوم القيامة قال: «هل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة ليست فيها سحابة» قالوا لا قال هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ليس فيه سحابة قالوا لا قال فوالذي نفس محمد بيده لا تضارون في رؤية ربكم إلا كما تضارون في رؤية أحدهما فيلقى العبد فيقول أي قل الم أكرمك وأسودك وأزوجك واسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وترفع فيقول بلى فيقول أفظننت أنك ملاقى فيقول لا فيقول فاني انساك كما نسيتني ثم يلقى الثاني فيقول أي فل الم أكرمك وأسودك وأزوجك واسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وترفع فيقول بلى أي ربي فيقول أفظننت أنك ملاقي فيقول لا فيقول إني أنساك كما نسيتني ثم يلقى الثالث فيقول له مثل ذلك فيقول يا رب آمنت بك وبكتبك ورسلك وصليت وصمت وتصدقت ويثني بخير ما استطاع فيقول هاهنا إذا ثم يقال الآن نبعث شاهدا عليك فيتفكر في نفسه من الذي يشهد علي فيختم على فيه ويقال لفخذه انطقي فينطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله وذلك ليعذر من نفسه وذلك المنافق وذلك الذي يسخط الله عليه.
فأجمع بين قوله فإنكم سترون ربكم وقوله لمن ظن أنه غير ملاقيه فإني أنساك كما نسيتني وإجماع أهل اللغة على أن اللقاء المعاينة بالأبصار يحصل لك العلم بان منكر الرؤية أحق بهذا الوعيد ومن تراجم أهل السنة على هذا الحديث باب في الوعيد لمنكري الرؤية كما فعل شيخ الإسلام وغيره وبالله التوفيق.
فصل:
قد دل القران والسنة المتواترة وإجماع الصحابة وأئمة الإسلام وأهل الحديث عصابة الإسلام ونزل الإيمان وخاصة رسول الله على أن الله سبحانه وتعالى يرى يوم القيامة بالأبصار عيانا كما يرى القمر ليلة البدر صحوا وكما ترى الشمس في الظهيرة فإن كان لما اخبر به الله ورسوله عنه من ذلك حقيقة وان له والله حق الحقيقة فلا يمكن أن يروه إلا من فوقهم لاستحالة إن يروه من أسفل منهم أو خلفهم أو إمامهم أو عن يمينهم أو عن شمالهم وان لم يكن لما اخبر به حقيقة كما يقوله أفراخ الصابئة والفلاسفة والمجوس والفرعونية بطل الشرع والقران فان الذي جاء بهذه الأحاديث هو الذي جاء بالقران والشريعة والذي بلغها هو الذي بلغ الدين فلا يجوز أن يجعل الله ورسوله عضين بحيث يؤمن ببعض معانيه ويكفر ببعضها فلا يجتمع في قلب العبد بعدد الإطلاع على هذه الأحاديث وفهم معناها وإنكارها والشهادة بأن محمد رسول الله أبدا والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كان لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق والمنحرفون في باب رؤية الرب تبارك وتعالى نوعان أحدهما من يزعم أنه يرى في الدنيا ويحاضر ويسامر والثاني من يزعم أنه لا يرى في الآخرة البتة ولا يكلم عباده وما اخبر الله به ورسوله واجمع عليه الصحابة والأئمة يكذب الفريقين وبالله التوفيق. اهـ.

.مبحث في الرؤية والكلام في الصحة وفي الوقوع وفي شبه المنكرين:

.قال عضد الدين الإيجى:

فهاهنا ثلاثة مقامات:

.المقام الأول في صحة الرؤية:

وقد طال نزاع المنتمين إلى الملة فيها فذهب الأشاعرة إلى أنه تعالى يصح أن يرى.
ومنعه الأكثرون.
قال الآمدي اجتمعت الأئمة من أصحابنا على أن رؤيته تعالى في الدنيا والآخرة جائزة عقلا.
واختلفوا في جوازها سمعا في الدنيا فأثبته بعضهم ونفاه آخرون.
وهل يجوز أن يرى في المنام فقيل لا.
وقيل نعم.
والحق أنه لا مانع من هذه الرؤيا وإن لم تكن رؤيا حقيقة.
ولا خلاف بيننا في أنه تعالى يرى ذاته.
والمعتزلة حكموا بامتناع رؤيته عقلا لذي الحواس.
واختلفوا في رؤيته لذاته.
ولابد أولا من تحرير محل النزاع فنقول إذا نظرنا إلى الشمس فرأيناها ثم غمضنا العين فعند التغميض نعلم الشمس علما جليا.
وهذه الحالة مغايرة للحالة الأولى التي هي الرؤية بالضرورة فإن الحالتين وإن اشتركتا في حصول العلم فيها إلا أن الحالة الأولى فيها أمر زائد هو الرؤية.
وكذا إذا علمنا شيئا علما تاما جليا ثم رأيناه فإنا نعلم بالبديهة تفرقة بين الحالتين.
وإن في الثانية زيادة ليست في الأولى.
قالت الفلاسفة هي أي تلك المغايرة والزيادة عائدة إلى تأثر الحدقة لا إلى زيادة في الانكشاف هي الرؤية والإبصار لوجوه:
الأول إن من نظر إلى الشمس بالاستقصاء ثم غمض فإنه يتخيل أن الشمس حاضرة عنده لا يتأتى له أن يدفعه أي هذا التخيل عن نفسه أصلا وما ذلك إلا لأن الحدقة تأثرت عن صورة الشمس وبقيت صورتها في الحدقة بعد أن زالت الرؤية.
الثاني إن من نظر بالاستقصاء إلى روضة خضراء زمانا طويلا ثم حول عينيه إلى شيء أبيض فإنه يرى لونه ممتزجا من البياض والخضرة فقد تحقق أن حدقته تأثرت عن الخضرة وبقي صورتها فيها بعد التحول.
الثالث إن الضوء القوي يقهر الباصرة وكذلك البياض الشديد يقهرها بحيث لو نظر الرائي بعد رؤيتهما إلى ضوء ضعيف أو بياض ضعيف لم يرهما.
فلولا تأثرها أي تأثر الحاسة منه بل منهما لما كان الأمر كذلك.
قلنا كل ذلك الذي ذكرتموه يدل على تأثر الحدقة عند الإبصار.
وأما عود تلك الزيادة التي هي الإبصار إليه أي إلى التأثر فلا دلالة عليه فلا هي أي فلا الإبصار بتأويل الرؤية هو أي تأثر الحاسة ولا هي مشروطة به عندنا فجاز أن يرى الله سبحانه وتعالى من غير أن تتأثر عنه الحاسة.
وقد سبق ما فيه كفاية وهو أن الرؤية أمر يخلقه الله في الحي.
ولا يشترط بضوء ولا مقابلة ولا غيرهما من الشرائط التي اعتبرها الحكماء ثم علمت أن الله تعالى ليس جسما ولا في جهة.
ويستحيل عليه مقابلة ومواجهة وتقليب حدقة نحوه.
ومع ذلك يصح أن ينكشف لعباده انكشاف القمر ليلة البدر كما ورد في الأحاديث الصحيحة.
وأن يحصل لهوية العبد بالنسبة إليه هذه الحالة المعبر عنها بالرؤية هذا ما تفرد به أهل السنة.
وخالفهم في ذلك سائر الفرق.
فإن الكرامية والمجسمة وإن جوزوا رؤيته لكن بناء على اعتقادهم كونه جسما وفي جهة.
وأما الذي لا إمكان له ولا جهة فهو عندهم مما يمتنع وجوده فضلا عن رؤيته.
وسيرد عليك زيادة تقرير لمذهبهم.
وقد استدل عليه أي على جواز رؤيته تعالى بالنقل والعقل.
فلنجعله مسلكين:
المسلك الأول النقل وإنما قدمه لأنه الأصل في هذا الباب.
والعمدة من المنقولات في ذلك قوله تعالى حكاية عن موسى عليه السلام: {رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني}.
والاحتجاج به من وجهين:
الأول إن موسى عليه السلام سأل الرؤية.
ولو امتنع كونه تعالى مرئيا لما سأل لأنه حينئذ إما أن يعلم امتناعه أو يجهله.
فإن علمه فالعاقل لا يطلب المحال.
فإنه عبث.
وإن جهله فالجاهل بما لا يجوز على الله ويمتنع لا يكون نبيا كليما.
وقد وصفه الله تعالى بذلك في كتابه بل ينبغي أن لا يصلح للنبوة.
إذا المقصود من البعثة هو الدعوة إلى العقائد الحقة والأعمال الصالحة.
الثاني إنه تعالى علق الرؤية على استقرار الجبل.
واستقرار الجبل أمر ممكن في نفسه.
وما علق على الممكن فهو ممكن إذ لو كان ممتنعا لأمكن صدق الملزوم بدون صدق اللازم.